وُلِدَ فِي مَكَّةَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ عَامِ الْفِيلِ، قَبْلَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً مِنْ الْهِجْرَةِ (هِجْرَتُهُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ)، مَا يُوَافِقُ سَنَةَ 570 أَوْ 571 مِيلَادِيًّا وَ52 ق ه. وَلَدُ يَتِيمِ الْأَبِ، وَفَقَدَ أُمَّهُ فِي سِنٍّ مُبَكِّرَةٍ فَتَرَبَّى فِي كَنَفِ جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ عَمُّهُ أَبِي طَالِبٍ حَيْثُ تَرَعْرَعَ، وَكَانَ فِي تِلْكَ الْفَتْرَةِ يُعْمَلُ بِالرَّعْيِ ثُمَّ بِالتِّجَارَةِ. تَزَوَّجَ فِي سِنِّ الْخَامِسَةِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ وَأَنْجَبَ مِنْهَا كُلَّ أَوْلَادِهِ بِاسْتِثْنَاءِ إِبْرَاهِيمَ. كَانَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ يَرْفُضُ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ وَالْمُمَارَسَاتِ الْوَثَنِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ مُنْتَشِرَةً فِي مَكَّةَ. وَيُؤْمِنُ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ الْوَحْيَ نَزَلَ عَلَيْهِ وَكُلِّفَ بِالرِّسَالَةِ وَهُوَ ذُو أَرْبَعِينَ سَنَةً، أَمَرَ بِالدَّعْوَةِ سِرًّا لِثَلَاثِ سَنَوَاتٍ، قَضَى بَعْدَهُنَّ عَشْرَ سَنَوَاتٍ أُخَرَ فِي مَكَّةَ مُجَاهِرًا بِدَعْوَةِ أَهْلِهَا، وَكُلُّ مَنْ يُرِدُّ إِلَيْهَا مِنْ التُّجَّارِ وَالْحَجِيجِ وَغَيْرِهِمْ. هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ وَالْمُسَمَّاةِ يَثْرِبُ آنَذَاكَ عَامَ 622م وَهُوَ فِي الثَّالِثَةِ وَالْخَمْسِينَ مِنْ عُمُرِهِ بَعْدَ أَنْ تَآمَرَ عَلَيْهِ سَادَاتُ قُرَيْشٍ مِمَّنْ عَارَضُوا دَعْوَتَهُ وَسَعَوْا إِلَى قَتْلِهِ، فَعَاشَ فِيهَا عَشْرَ سِنِينَ أُخَرَ دَاعِيًا إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَسَّسَ بِهَا نَوَاةَ الْحَضَارَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، الَّتِي تَوَسَّعَتْ لَاحِقًا وَشَمِلَتْ مَكَّةَ وَكُلَّ الْمُدُنِ وَالْقَبَائِلِ الْعَرَبِيَّةِ، حَيْثُ وَحَّدَ الْعَرَبُ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ عَلَى دِيَانَةٍ تَوْحِيدِيَّةٍ وَدَوْلَةٍ مُوَحَّدَةٍ، وَدَعَا لِنَبْذِ الْعُنْصُرِيَّةِ وَالْعَصَ